ما هي أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية؟
محمد معاذ
باحث في الذكاء الاصطناعي
تشكّل صناعة الأدوية جزءًا لا يتجزّأ من قطاع الرعاية الصحية. ومع ذلك، فقد تباطأ نمو الصناعة في السنوات القليلة الماضية، وذلك يعود إلى أسبابٍ منها وصول سوق الأدوية لمرحلة الإشباع على ما يعتقد العديد من خبراء الصناعة. إلا أنّ ظهور التقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي أعادت الأمل في إحياء هذا القطاع. وقد بلغ حجم الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بصناعة الأدوية أكثر من 5 مليار دولار في نهاية 2019 بحسب شركة "Signify" البريطانية للأبحاث. ومن المتوقّع أن يلعب دورًا مهمًا في دفع الصناعة إلى الأمام في السنوات القليلة المقبلة. في هذه المقالة، نستعرض أهم تطبيقات هذه التقنية في مجال صناعة الأدوية.
1- اكتشاف العقاقير
تركّز هذه المرحلة من البحث والتطوير على إيجاد جزيئات دوائية جديدةٍ فاعلة في مواجهة الأمراض. ووفقًا لدراسةٍ قام بها مركز "Tufts" الأميركي لتطوير الأدوية، تقدّر تكلفة الاكتشاف والتطوير لكل دواء معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) بحوالي 2.6 مليار دولار. وعادةً ما تستغرق عملية الاكتشاف وقتًا أطول، حيث يتعيّن على العلماء إجراء آلاف التجارب قبل الاستقرار على التركيبة الصحيحة للمرض.
إنّ النماذج التنبؤية التي تمّ صنعها لإيجاد جزيئات ومركّبات جديدة عرضة لعدم الدقّة نتيجةً للأخطاءٍ البشرية. ويأتي ذلك من معالجة بيانات غير صحيحة أو حساباتٍ خاطئة. وفي نهاية المطاف، تؤدي العملية برمّتها، إلى ارتفاع التكاليف وعددٍ متزايد من الإخفاقات. إلّا أن استخدام الذكاء الاصطناعي من شأنه تسريع اكتشاف الأدوية، وتحسين معدّلات النجاح بنسبةٍ تتراوح بين 8 و10%، الأمر الذي يؤدي إلى توفير مليارات الدولارات. كما أظهرت المشاريع التجريبية على أدوات اكتشاف الأدوية الذكية انخفاضًا كبيرًا في وقت التطوير، بحسب ما يقول الرئيس التنفيذي لـ "Exscientia" وهي شركة عقاقير بريطانية، حيث يمكن تقليل الوقت في اكتشاف الأدوية من 4.5 سنوات إلى أقلّ من 12 شهرًا ، وتقليل تكاليف اكتشاف المركّب الدوائي بنسبةٍ تصل إلى 80%. كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للعثور على الجزيئات المرشحة للأدوية، وتطوير المركبات من الصفر، والمساعدة في عملية تصنيع الجزيئات، بكفاءةٍ أفضل. وتستخدم شركتي " Merck " الألمانية و "Iktos" الفرنسية، النماذج الذكية لأغراض اكتشاف وتصميم المركبات الجديدة بسرعةٍ وفعالية.
2- تطوير الأدوية
ينطوي التطوير من خلال التجارب السريرية على مخاطر عاليةٍ للفشل بسبب الأخطاء البشرية في معالجة البيانات ومراقبة المرشّحين لها. ويمتدّ الجدول الزمني للتجارب أيضًا لفترةٍ أطول، ما من شأنه أن يؤخّر عملية تسويق الأدوية في نهاية المطاف. وفي بعض الأحيان، يحصل أن يتمّ تفسير البيانات المنبثقة عنها بشكلٍ خاطئ بفعل نقص المعرفة أو قلة الانتباه. وفي إطار الحل لهذه المشاكل، تأتي الأنظمة الخوارزمية لتعالج كمياتٍ هائلة من المعلومات بشكلٍ أسرع وبدقة عالية من البشر، بل وتحافظ على السجلّات الصحيحة، وتضمن الشفافية عندما يتعلق الأمر ببيانات التجارب السريرية. ومن خلال اتّخاذ القرار القائم على البيانات، لا يعمل الذكاء الاصطناعي وفق الجدول الزمني الكامل لتطوير الأدوية فحسب، بل إنّ دقته أيضًا تعمل على تحسين معدلات الموافقة على الأدوية والحد من الخسائر. ويمكن استخدامه لتحسين العملية التجريبية بأكملها، بما في ذلك تصميم التجربة وتحديد الخيارات. وعلى سبيل المثال، تلغي مطابقة التجارب السريرية لشركة "IBM Watson"الحاجة إلى المقارنة اليدوية بين معايير التسجيل في التجارب السريرية. كما يجري استخدام التقنية أيضًا لقراءة البيانات الطبية للمريض ومطابقة المريض المناسب بالتجارب السريرية الصحيحة. وقد أدّى هذا إلى تقليل وقت انتظار الفحص المسبق بنسبة 78% خلال فترة التجربة (حوالي 16 أسبوعًا) والتخلّص تلقائيًا من 94% من المرضى الذين فشلوا في تلبية متطلّبات التجارب. كذلك يعمل على تمكين جمع البيانات السريرية بكفاءة، وتحديد المرشحين المناسبين لها ومراقبتهم، والتنبؤ بالمخاطر والسمية، وقياس الالتزام بالعقاقير من قبلهم. وهذا ما تفعله شركة "Novartis" السويسرية عبر منصة "Benevolent AI" للتكنولوجيا وعلوم البيانات.
3- التصنيع
المصدر: Emerj
كما ذكرنا سابقًا، يمكن أن تستغرق عملية تصنيع الأدوية وقتًا أطول إذا لم يتم تحسينها من خلال التكنولوجيا. ولا يزال استخدام العمليات اليدوية، وجداول البيانات في سلسلة التوريد سائدًا في هذه الصناعة، الأمر الذي يتطلب تدخلًا بشريًا، والذي يترك مجالًا للخطأ في النهاية، بسبب إدخال البيانات غير الدقيقة، والتخمين، والنتائج الفاشلة. مثل هذه الأخطاء يمكن أن تؤدي إلى فشل التصنيع ووقوع الخسائر. ومن خلال الاستعانة بالذكاء الاصطناعي يمكن التحكّم بجودة الأدوية، وإدارة المخزون، والصيانة التنبؤية، وتحسين الخدمات اللوجستية وغيرها من الأمور ذات الصلة. وقد تمكنت شركة "Amgen" بفضل الخوارزميات من تطوير قدرتها للعثور على أنماط في مجال الانحرافات الصناعية للأدوية ومنع تكرارها في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، يساعد الذكاء الاصطناعي على جعل عملية التصنيع بأكملها أكثر دقة من خلال التخطيط السليم لسلسلة التوريد. وقد استفادت شركة "Merck" من هذه التقنية لمساعدة شركة "Aera" التكنولوجية في دعم عملية اتخاذ القرار، وذلك من خلال وضع نماذج إرشادية وتنبؤية لسلسلة الإمداد. ومن ناحيةٍ أخرى، أبرمت شركة Novartis شراكة مع أمازون لتحويل التصنيع وسلسلة الإمداد وتسليم أدويتها رقميًا وذلك باستخدام الخدمات السحابية.
وعلى الرغم من الفوائد التي تترتب من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية، إلّا أنّ إقدام الشركات على تبني هذه التكنولوجيا لا يزال محدودًا. ووفقًا لتقرير منظمة "HIMSS Analytics" التحليلية، هناك أقلّ من 5% من منظمات الرعاية الصحية قد تبنّت الخوارزميات الذكية أو استثمرت فيها. ويمكن للشركات التي تسعى إلى اعتماد هذه التقنية في البنية الأساسية لأعمالها التعاون مع الشركات التي لديها خبرة في المجال، في سبيل تطوير حلولٍ مخصصة لإجراءات العمل أو المشاركة مع المؤسسات الطبية أو حتى الاستثمار في البحث والتطوير. ذلك أن استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات تصنيع الأدوية من شأنه أن يساعد الشركات المعنية في خفض التكاليف، وتبسيط العمليات، وفي المقام الأول المساعدة في إنقاذ الأرواح. لذلك، لا بدّ للشركات ترك مخاوفها والتطلّع نحو دفع الصناعة إلى الأمام.
تعليقات
إرسال تعليق